الدودة الكبيرة - قصص رعب
وسط غابة ميركوير (Mercoire)
كان "مارتن" البالغ من العمر أحد عشر عامًا يركض بسرعة جنونيّة تكاد تقطع أنفاسه.. ما رآه منذ لحظات عندما كان يختبئ خلف شجيرة العرعر، جعله يشعر لأوّل مرّة بالخوف.. لطالما سمع في قريته العديد من القصص المرعبة عن الأشباح، والذئاب المتوحّشة، والمذؤوبين، والوحوش المخيفة الأخرى التي تجوب الغابة ليلا بحثا عن اللّحوم البشريّة، لكنّه أبدا لم يصدقها.. فالطفل الذي عاش على حافة الغابة منذ ولادته، والذي كان ابنا لحطّاب وصياد في الآن نفسه، ويعرف حيوانات الغابة بشكل جيّد، لا يمكنه أن يأخذ على محمل الجدّ تلك القصص التي يرويها الأطفال لإخافة بعضهم البعض، بل على العكس تماما لم يكن يعيرها أي اهتمام قطّ..
***
إلاّ أنّ ما رآه "مارتن" منذ قليل يعجز لسانه عن شرحه، فهيئتهما هيئة بشر، لكن لهجتهما وهما يتحدّثان كانت غريبة، هي فرنسيّة لا شك في ذلك، لكنّها فرنسيّة مختلفة عن التي يعرفها، وبالكاد يستطيع فهمها.. وذهب إلى أنّهما ربما يكونان من سكان جنوب فرنسا، فقد سمع أنّ لديهم لهجة خاصّة.. قد يكون كلامه صحيح ومنطقيّ، لكن كيف له أن يفسّر الأمور الأخرى التي رآها؟.. كيف له أن يفسّر السحر الذي شاهده؟.. إنّ الرجلين كانا يتحدّثان مع روح شيطانيّة كانت تعطيهم الأوامر من الصندوق التي كانت محبوسة فيه..
- لا تخرجوا من الغابة!.. لا تجعلوا الناس يرونكم!.. هذه هي الأوامر التي سمعها "مارتن" تصدر من الشيء الذي كان في الصندوق.
***
***
***
المركز الأوروبي للبحوث النووية (CERN) ، جنيف، سويسرا - 2018.
في الغرفة رقم 25، كانت وجوه الحاضرين مشدوهة، لقد بدأ العدّ التنازلي للتوّ، وخلال عشرين ثانية، سيعود كلاوس وجاك من مهمتهما.. وابتداء من العشرة، يبدأ الفريق بأكمله في العدّ بصوت واحد، وعند الوصول إلى الصفر، تُنار الغرفة بضوء ساطع.
الرجلان هما اللّذان كانا يقودان ويتحكّمان في هذا النوع من غواصّة الأعماق التي لقّبها الجميع بـ Big Worm يعني الدودة الكبيرة.. وكانت وظيفة هذه الأخيرة هي اجتياز الثقوب السوداء التي تمّ إنشاؤها بشكل اصطناعي بواسطة مسرّع الجسيمات CERN.. ولقد تمكّن الباحثون من إنشاء ممرّ بين الثقب الأسود والثقب الأبيض، حتّى يستطيعوا التنقل عبر الزمن من مكان إلى آخر.
- كانت مهمّتنا تسير على ما يرام، وسافرنا عبر الزمن إلى القرن الثامن عشر، ونزلنا في قلب غابة فرنسيّة..
هذا ما قاله كلاوس، قبل أن يتدخّل جاك ويقول :
- إلى أن فوجئنا بوجود طفل هناك، تمكّن من رؤيتنا ونحن بصدد أخذ الإرشادات منكم من شاشة التحكّم في جهاز الكمبيوتر.
وأردف كلاوس قائلا :
- وعلى الفور قمنا بإرسال خدعة بصريّة، سيقول على إثرها هذا الطفل أنّه رأى وحشًا فظيعًا، نصفه أسدٌ ونصفه ذئب، وقطعا لن يصدقه أحد.. حقّا إنّ تقنية الهيلوغرافيا التي استعملناها أصابته بالذعر.
قصر فرساي - 1764
كان الملك لويس الخامس عشر يقرأ باهتمام صحيفة جازيت دي فرانس (La Gazette de France).. فخلال الأسابيع الأخيرة، اهتمّت الصحافة بقصّة الوحش الغريب الذي ظهر للطفل "مارتن" في وسط غابة ميركوير.. وفي الواقع، كان أكبر هدف لهذا الاهتمام المبالغ فيه هو صرف أنظار الناس عن حرب السنوات السبع، والصحف تتقن هذا الفنّ جيّدا.. وغدا، سيأمر الملكُ القائدَ "فرانسوا أنطوان" بالذهاب لصيد هذا الوحش والقضاء عليه.. فمن الضروري طمأنة الناس، وإعادة التأكيد على قوّة الملك وقدرته، وهذه القصة كانت فرصة يجب استغلالها.. كما أنّ اعتماد الصحف كعادتها على تضخّيم الأحداث، جعل من هذا الوحش أسطورة في نظر الجميع، وجعل من الملك يحلم بتخليد اسمه بعد القضاء عليه.
عزيزي القارئ، اترك تعليقا في الأسفل وشاركنا برأيك
ليست هناك تعليقات: