التسجيل الغريب الجزء 1 - قصص رعب
قصص رعب
التسجيل الغريب - الجزء 1
اسمي "بيل" وأعمل منذ فترة في محطّة بنزين بِرِيفِ ولاية بنسيلفانيا الواقعة في المنطقة الشماليّة الشرقيّة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة.. نعم كان عملي مملاّ، لكنّه لم يكن شاقا بل كان على العكس تماما، ثمّ إنّ الراتب الذي كنت أحصل عليه كان مقبولا بالنسبة لي، والأهمّ من قيمته، هو انتظام موعد تسلّمه من "مستر رونالد" صاحب المحطّة..
مؤخّرا، عُيّن في المحطة معي، عاملا جديدا سأسميه "جيريمي".. كان "جيريمي" غريبا، ملفتا للانتباه، فهذا الشاب البالغ من العمر قرابة الـ 25 سنة، والعاشق للصمت أغلب الوقت، له ضحكة لم أسمعها من قبل، ضحكة على مقاسه لا يمكن أن يُصدرها غيره، ضحكة تبعث في نفسك الشعور بالدهشة والخوف معا..
وبالطبع لم تخفى ضحكته تلك على "مستر رونالد" أيضا، لكنّها في حقيقة الأمر لم تكن مشكلة، أو سببا في مشكلة ما .. فالزبائن لم يشتكوا من هذا الموضوع إطلاقا، ولم نرى على أحدهم علامات الضجر أو الانزعاج بسببها.. كما أنّ "جيريمي" منذ أن استلم الشغل معنا لم نره إلاّ مجدّا ومتفان في عمله...
منذ أيام، لاحظ "مستر رونالد" اختفاء بعض المنتجات من المحطّة وككلّ صاحب عمل دبّ الشكّ في نفسه، فالسرقة التي يرتكبها بعض العمال أمر شائع، ويمكن أن يحدث في أي عمل تجاري تباع فيه المنتجات للزبائن.. وفي هذه المحطّة الصغيرة كان يقسّم الوقت بيننا نحن الثلاثة : "مستر رونالد"، أنا "بيل"، و"جيريمي"...
لاحظ "مستر رونالد" انخفاضا كبيرا في مخزون زيوت المحركّات!.. في بادئ الأمر اختفت بعض العلب فقط!.. لكن سرعان ما اختفت جميع العلب الموضوعة على الرفّ المخصّص لها!!.. لتختفي بعد ذلك كلّ الصناديق الموجودة في المستودع الخلفيّ، والتي كانت تحتوي كلّ واحدة منها على 12 علبة من زيت المحركّات تلك!!!.. كذلك اختفت شحنة كاملة من الصناديق بعد يوم واحد فقط من تسلّمها!.. وكلّ هذا كان يحدث في الليالي التي كان "جيريمي" يعمل فيها. لهذا كان الشكّ يحوم حوله، هو فقط دون سواه.
***
كانت المحطّة مزوّدة بثلاث كاميرات مراقبة، لذلك ومنذ أن ترسّخ الشكّ في رأسه، أمسى "مستر رونالد" يأخذ يوميّا ثلاثة أشرطة معه إلى البيت، كلّ شريط هو بمثابة تسجيل لواحدة من الكاميرات، لعلّه بمشاهدتها يستطيع الإيقاع بـ"جيريمي" متلبّسا ولو عن طريق الكاميرا..
لكن في هذه الليلة هناك بعض الظروف تمنع "مستر رونالد" من مشاهدة الأشرطة، لذلك كلّفني بتلك المهمّة على أن يحتسب الوقت الذي سأقضيه في المشاهدة، كساعات إضافيّة لي.. قبلت الأمر وتسلّمت منه الأشرطة الثلاث..
ستكون ليلة طويلة دون شكّ.. لكنّ المال الإضافي الذي سأحصل عليه، سيمكّنني من كسر حاجز الروتين الذي أعيشه، وربما ستكون إجازتي هذه السنة مختلفة عن سابقاتها، فكلّما كان المال أوفر كان طعم الإجازة أفضل.
بعد عودتي إلى المنزل تناولت عشاء خفيفا، وقمت بتشغيل جهاز الفيديو القديم الذي أمتلكه منذ سنوات، وبدأت في مشاهدة التسجيلات..
قبل يومين، - وهو آخر يوم عمل فيه "جيريمي"-، كان قد استلم عمله على الساعة الرابعة مساء، كلّ شيء بدا طبيعيّا، كان واقفا وراء المكتب ينتظر الزبائن.. أوّل الزبائن كانت "ميس تامبلتون" على الساعة 16:03 مساء، كانت قد اشترت علبة سجائر وصحيفة ودفعت 20 دولارا ثمّ خرجت..
لا يوجد ما يلفت الانتباه..
الزبون الموالي كان أحد متساكني الحيّ ويدعى "رود"، لديه درّاجة ناريّة وكان يأتي للمحطّة عدّة مرّات في الأسبوع.. قام بالتزود بالوقود واشترى كيسا من اللّحم المجفّف، ودفع ثمن مشترياته ببطاقته الائتمانية، ثمّ غادر المكان..
الزبون التالي كان رجلا يضع على رأسه قبّعة راعي البقر.. لا أذكر أنّي رأيته سابقا.. لكن هذا أمر عادي، فكلّ محطّات البنزين يأتيها غرباء قد لا تراهم إلاّ مرّة واحدة.. دفع هذا الرجل 40 دولارا بعد أن ملئ خزان سيارته بالبنزين، وغادر المحطّة.. ومنذ ذلك الوقت خيّم الملل على المحطّة.. ذلك الملل الذي أعرفه جيّدا وأمقته كثيرا، والذي كان يخيّم على المكان كلّما تبخّرت الزبائن..
بدأت أشعر بالضجر قليلا، وأحسست أنّ الشيء الوحيد الذي كان مملاّ أكثر من العمل نفسه، هو مشاهدة شخصا آخر يقوم به.. هذا الشعور أيقظ في ذهني تساؤلا لطالما كان يراودني منذ طُرحت مسألة مراقبة أشرطة التسجيلات :
- لو كان "جيريمي" سارقا، فهل هو غبيّ ليسرق أمام عدسات الكاميرات، وهو يعلم بوجودها؟..
كان الوقت يمرّ.. وكلّ شيء يبدو طبيعيّا.. ومع 17:03 مساء دخلت "ميس تامبلتون" مرّة أخرى.. لابدّ وأنّها نسيت شيئا..
لا.. لا أظنّ ذلك.. لقد اشترت نفس علبة السجائر التي اشترتها في المرّة السابقة، ونفس الصحيفة، ودفعت مرّة أخرى 20 دولارا!..
أمر غريب حقّا!.. لكن هذه المرأة كانت دائما غامضة وتبعث على الاستغراب..
ثمّ ها هو "رود" يعود مرّة أخرى، ليملئ خزان درّاجته الناريّة من جديد ويشترى الكيس من اللّحم المجفّف، ويدفع ببطاقته الائتمانيّة، ويغادر المحطّة..
إنّها حقّا صدفة غريبة..
لكن عندما عاد الرجل صاحب القبّعة، تملّكتني رعشة على الفور.. وأخذت أهمس في نفسي مردّدا :
- لا تملأ خزان سيارتك بالبنزين.. لا تملأ خزان سيارتك بالبنزين..
لكنّ الرجل فعلها، ودفع الـ40 دولارا مثل المرّة السابقة.. حتّى حركاته التي قام بها وهو في طريقه للخروج من المحطّة، كانت مطابقة تماما لحركاته في زيارته السابقة...
هناك شيء غريب يحدث!..
هناك شيء غريب يحدث!..
***
في الساعة الموالية دخل المحطّة نفس الزبائن واشتروا نفس المشتريات ..
أشعر بالذعر..
اقتربت من جهاز الفيديو وضغطت على زر التسريع، وواصلت المشاهدة..
أشعر بالذعر..
اقتربت من جهاز الفيديو وضغطت على زر التسريع، وواصلت المشاهدة..
كانت نفس الأحداث تتكرّر في كلّ مرّة ولعدّة ساعات.. وحده الوقت الّذي كان يتغيّر...
أنا أعلم ما يدور بخاطرك الآن : لا بدّ وأن يكون "جيريمي" قد تلاعب بهذه التسجيلات، فقام بتسجيل الساعة الأولى من عمله، ثمّ جعلها تدور في حلقة لتصبح كلّ الساعات متطابقة. أ ليس كذلك؟.
للأسف لم يكن ما دار بخاطرك صحيحا.. ففي التسجيلات ومن خلال نوافذ المحطّة كنت أستطيع رؤية الشمس وهي تغرب ببطء في تلك الفترة، كما أنّ تصرفات "جيريمي" وتحرّكاته لم تكن مكرّرة في كلّ ساعة مثلما كان الأمر بالنسبة للزبائن.. تراه يعتني بالمخزن.. يكنس.. يتحرّك في المحطّة.. يقوم بمهامه بطريقة عاديّة جدّا..
لقد بدأت أقلق حقّا..
هناك أمر ما يحدث غير مفهوم في هذه التسجيلات.. ولا أملك تفسيرا مقنعا لذلك.. لكنّني واصلت مشاهدة الشريط إلى موعد انتهاء حصّة عمله.. ورأيت "جيريمي" يخرج من المحطّة ويُحكِم إغلاق بابها، ويتّجه نحو سيارته بيدين فارغتين!.. إنّه لم يقم بسرقة أيّ شيء على الإطلاق!..
قرّرت مواصلة تسريع الشريط حتّى نصف الليل.. وفي تمام الساعة 00:03، ظهر وجه "جيريمي" على الشاشة وهو يبتسم!.. لا أقصد أنّ عدسات الكاميرا التقطته وهو يقترب منها إلى أن وصل أمامها، ولكن ما أقصده أن المحطّة كانت فارغة وفي لمح البصر كان وجه "جيريمي" على الشاشة.. لم يكن ينظر إلى الكاميرا يقينا.. بل كان ينظر إليّ وأنا مقتنع بذلك..
أطلقتُ صرخة قويّة من هول الصدمة، وهممت بالاقتراب من جهاز الفيديو لإيقاف الشريط.. لكن اختفاء وجهه بسرعة من الشاشة بنفس الطريقة الذي ظهر بها، أنبت في عقلي فكرة إمكانية معرفة المكان الذي كان فيه قبل أن يصل أمام الكاميرا، وذلك بمشاهدة الشريط الثاني الذي سجلته كاميرا أخرى من زاوية مختلفة.
وضعت الشريط الثاني، وضغطت على زرّ التسريع، لأصل به إلى الساعة 00:03، لكن أرى أحدا.. لم يكن "جيريمي" موجودا.. لم أره يدخل المحطّة منذ أن غادرها.. وقطعا لم يكن لديه رمز الحماية، ليتمكّن من تعطيل صفارة الإنذار ويدخل بطريقة أخرى غير تقليديّة.. ولو افترضنا أنّه استطاع الدخول بطريقة ما، فكيف تمكّن من إظهار وجهه لي أمام الكاميرا التي كانت موجودة على ارتفاع يكاد يوازي سقف المحطّة، دون أن يصعد فوق كرسيّ أو شيء آخر، وإن كان قد فعل ذلك فأين كلّ هذا على الشريط؟..
كلّ ما رأيته في 00:03 هو اختفاء زيت المحرّكات التي كانت على الرفّ، بنفس السرعة التي ظهر بها وجه "جيريمي" في الشريط الأوّل..
لقد بلغ منّي الإنهاك مبلغه، فأوقفت جهاز الفيديو، وارتميت على الفراش لأنعم ببعض الراحة والنوم، فلم أستطع.. لقد كان هذا التسجيل دون أدنى شكّ، أكثر شيء أخافني وحيّرني وأزعجني طوال حياتي.
بضع ساعات فقط تفصلني عن موعد العمل، وأنا مطالب بإعادة الأشرطة إلى "مستر رونالد" وإخباره بكلّ ما توصّلت إليه.. وبصراحة لا أدري ماذا سأقول له؟.. هذه الليلة يستلم فيها "جيريمي" عمله مباشرة بعد أن أنتهي من عملي، وكانت الخطّة أن يأتي "مستر رونالد" إلى المحطّة قبيل خروجي منها، لمواجهته معي، باعتبار أنّني الشخص الذي يُفترض أن يكون بحوزته دليل إدانة "جيريمي" بعد مشاهدة الأشرطة..
حقيقة ليست لديّ أي فكرة عمّا يجب فعله.. ربما يجب عليّ إخباره بما في التسجيل قبل أن نلتقي، لكنّني سأُجْبر على إعادة مشاهدة الشرائط معه، ولست مستعدّا لأرى وجه "جيريمي" مرّة أخرى بتلك النظرة الحادّة التي رمقني بها، وبتلك الابتسامة التي لم تفارق مخيّلتي منذ رأيتها..
عموما يجب أن أحاول النوم مرّة أخرى، وسأخبركم بكلّ جديد لاحقا.
ليست هناك تعليقات: